يوميات زوجية
(1) الحلقة الأولى
عصام وفاتنة ...زوجين منذ عشر سنوات ... ولديهما صبي وبنت وائل وسيما ...وائل في الصف الرابع الابتدائي وسيما في الصف الثاني الابتدائي ...عائلة يسودها الحب والانسجام والوئام ..إلا من بعض المشاكل البسيطة والعادية والتي تمر تقريبا بكل أسرة صغيرة ناشئة تشق طريقها في حياة صعبة ومعقدة وضمن منظومة اجتماعية مازالت تبحث عن هوية محددة ...بعد أن تركت هوية الأجداد البالية وتحاول الاندماج في التطور العالمي المتسارع جدا والغير متناسب مع البيئة والإمكانيات المتاحة ولا العادات الاجتماعية المترسخة والتي تأبى أن تترك عقول نشأت عليها ...
كان قد اقترب شهر رمضان المبارك ..وقررت فاتنة الزوجة الشابّة الممتلئة نشاط وطاقة وحيوية بأن تقوم بتعزيل بيتها قبل الشهر الفضيل ليكون الصيام أخف وطأة من ناحية ...وليكون هناك متسع للعبادة في الشهر المبارك واغتنام أوقاته المباركة للعودة إلى الله ...فهو شهر يغتسل فيه المسلم من ذنوبه ويتقرب به من ربه فهو كفارة عام كامل ....ومن الصباح الباكر وبعد أن أرسلت فاتنة أولادها إلى مدرستهم ....تشمرت ودخلت المطبخ لتبدأ بتنظيفه وتعزيله ...وكما هو معروف فالمطبخ من أصعب أركان البيت تعزيلا لاحتوائه على الكثير من الأشياء والتناتيف والأدوات التي تحتاج إلى تنظيف وترتيب بحسب حاجة ست البيت وخاصة لشهر رمضان ...فله ترتيبات خاصة بكل شيء وهذا يحتاج إلى مجهود كبير ومضني ...ومضت فاتنة إلى عملها بكل جد واجتهاد تنظف وتفرك وتلمع وترتب ...إلى آخره حتى مضى نصف النهار وهي لا تشعر بمضي الوقت ...فقد حان موعد عودة أولادها من المدرسة ...فتوقفت قليلة لتستقبلهم وتعد لهم وجبة خفيفة للغداء ثم لتعود لتكمل ما بقي لها من عمل في المطبخ ...وقد كان زوجها عصام لا يصل إلى المنزل للغداء قبل الرابعة عصرا وأحيانا حتى الخامسة ....فتكون قد انتهت من عملية التعزيل الشاقة .....وبالفعل تغدى الأولاد وجلسوا يكتبون واجباتهم المدرسية ...وتوجهت فاتنة إلى المطبخ لتتمم عملها ...وفي كل دقيقة يأتي أحد أولادها ليسألها على الواجب أو الوظيفة وكأنهم أول مرة يمسكون القلم والدفتر والكتاب ولم يعرفوا شيئا ...وفاتنة في زحمة العمل والرد على أسئلة أولادها كادت أن تنهار أعصابها ....وأخذ التعب والارهاق يأخذ منها مأخذا كبيرا ...بعد أن أفرغت الرفوف وغسلت جميع المطربانات والقطرميزات لتعدهم وتعبئهم فيما بعد بأنواع المونة الضرورية للاستخدام فيما بعد خلال شهر رمضان ....وعندما وصل زوجها عصام كانت فاتنة في المرحلة الأخيرة من عملية التعزيل ...فانتظرها عصام قليلا لتنتهي وتعد وجبة الغذاء مع العشاء له ....وقد كان يحمل بيده كيساً يحتوي على كيلو مسبحة من عند أفضل حمصاني في الحارة ...وكان عصام سعيد جدا بما يحمله وهو يتخيل التهامه بشراهة على العشاء مع السمنة البلدية و البصل الأخضر والمخلل وباقي الحواضر فاليوم لا طبخ كما توقع فالمدام مشغولة ....
وما أن انتهت فاتنة من عملها ونشفّت آخر نقطة ماء في أرض المطبخ ....وخرجت منه كمن خرج من ساحة المعركة فقد كان التعب واضح على ملامحها الناعمة واصفر وجهها من الارهاق ...وتدلت يداها على جانب جسمها الذي ترهل فجأة كالشمبانزي ؟؟ ...وقد عقدت شعرها بشريطة مجعلكة مائلة على رأسها وشعرها الذي أصبح مشتتا مخربطا وكأنها قد تعرضت لعراك ما ؟؟...وتفوح منها رائحة الكلور والمنظفات ...!! ...وما أن رأها عصام على هذه الهيئة حتى ارتعب وشفق عليها ...قائلا لها : من الصباح إلى الآن وأنت تعملين بالمطبخ ؟؟ ...حرام عليك يا شيخة هلكتي حالك ...لو قسّمت العمل لليوم وبكرا شو كان بيصير ؟؟؟ هيك انتو النسوان ....بتجنوّا على غفلة .....روحي روحي فوتي عالحمّام واعملي دوش سريع ....وأنا راح اتولج العشا واعملك نأفة دين عشا ....ما دئتي متلو بحياتك ...ولا يهمك.... الولاد معي خدي وقتك وخدي راحتك ...ومن هون لتطلعي من الحمّام رايح يكون كلشي جاهز عالطاولة ....لم تسمع فاتنة نص الكلام من شدة تعبها ...ولكن علق في مخها عبارة واحدة سيكون العشا جاهز أول ما تطلعي من الحمّام ....كانت أروع جملة تسمعها في حياتها فقد كانت تتضور جوعا ....وكثيرا ما يشعر المتعب بالجوع والحاجة إلى الطعام ...مع أنه يكون بحاجة إلى النوم أكثر ....لم تنبس فاتنة ببنت شفة وتوجهت فورا إلى الحمّام لتأخذ دوشا دافئاً يريح عضلاتها المنهكة ...وخلال الربع ساعة التي قضتها في الحمام لم تمر دقيقة واحدة دون أن ينقر باب الحمام لتُسأل عن مكان شيء ما ....حتى تمنت أن تكون من السرخسيات التي لا تحتاج إلى غذاء إنما تغذي نفسها بنفسها من أعضاءها ...؟؟؟
خرجت فاتنة ....من الحمّام ...وهي تحلم بشيئين فقط ....وجبة شهية ....وسرير وثير ....ولبست ثيابا نظيفة ...وأخذت تنشف شعرها ببطء المتراخي ببشكير تفوح منه رائحة النظافة والانتعاش .....وعوضا عن أن تسمع صوت زوجها يدعوها إلى عشاء لذيذ ......سمعت صوتا رهيبا آتياً من المطبخ .....؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
قصة قصيرة
يوميات زوجية
(2) الحلقة الثانية
ركضت فاتنة نحو المطبخ ...بعد أن سمعت صوت قوي انطبش في المطبخ وكأنه صوت زجاج ....فوجدت طفليها وسط المطبخ في حالة زعر ورعب ...والزجاج متناثر حولهم والمكدوس والزيت يسبح في أرض المطبخ سباحة ...وزوجها يقف على آخر درجة من درجات السلم وهو مندهش مذعور ....فقد أراد أن يتناول قطرميز المكدوس من الرف العلوي بعد أن وجد أن القطرميز الذي كان في متناول اليد قد فرغ ونظفته فاتن ....فأراد أن يفاجأها بعشاء لا ينقصه شيء ..... فانفلت القطرميز من يده ووقع ؟؟؟ وها هي فاتنة تنظر إليه ... نظرة اللبوة التي تستعد لافتراسه عند نزوله من على السلم ...ولذلك آثر أن يبقى محلقاً هناك عند السقف..!! والعرق يتصبب منه ...فأمسكت فاتنة بأيدي أطفالها وأخرجتهم من المطبخ بعد أن تأكدت أنهم لم يصابوا بأي شظية زجاجية أو أذى ...وأخلعتهم شحاطاتهم وطلبت منهم التوجه إلى غرفة الجلوس فورا ....ثم نظرت إلى عصام والغضب باد في عينيها المحمرتين وعروق وجهها ورقبتها قد نفرت وحاجبيها تسمّرتا في منتصف جبهتها...وقالت له انزل ....انزل .....تردد عصام قليلا ثم نزل ...والذنب قد أسكته تماما ...ثم وقف في منتصف المطبخ ....قائلا بصوت منخفض ...أعطيني قطعة من الشاش النظيف لأمسح المكدوسات ...وأنقذهم ...حرام ....ففتحت فاتنة درج من أدراج المطبخ بعصبية وهي تكبح جما ح غضبها ...ورمت له بقطعة قماش نظيفة ...وأعطته مطربانا نظيفا ليصف به ما صلح من المكدوسات ....وأخذ عصام يمسح ويصف في القطرميز ....وفاتنة تضع الجرائد والمناديل الورقية على الأرض لتمتص الزيت ....وأخذت تنظر حولها فوجدت نقاط كثيرة تلمع على خزن المطبخ والبراد والفرن والجدران ....فأمسكت الليفة وأخذت تنظف من جديد وهي تبكي وتتنشّق ....وتبربر على حظها المعتر ...وعندما انتهى عصام من عمله التفت إليها ليساعدها .....فصدر عنها صوت يشبه قطار الفحم قائلة بعصبية : اياك أن تفعل شيء خذ موزتان للأولاد واخرج من المطبخ فورا أطعمهم ونيمهم ....ولا أريد أن أرى أحد ....ولا أريد أن أتعشى وأتزهرم ؟؟....خرج عصام وبيده الموزتان ...وقلبه يتحسر على المسبّحة والعشاء ...فقد عوقب عقابا شديدا ؟؟ ...وراح عليه العشاء ....
بعد أن انتهت فاتنة من عمليه التنظيف الملحق ؟.. خرجت من المطبخ وقد أُنهكت بشكل لا يوصف ....فوجدت أولادها وزوجها قد ناموا ...فأخذت حبتان مسكّن وألقت بنفسها على سريرها وراحت بغيبوبة تشبه غيبوبة الموت ....
وبعد ساعة من منتصف الليل ...نهض عصام بهدوء من السرير ....ودون أن تشعر به فاتنة وذهب إلى المطبخ بهدوء ...ليعمل لنفسه سندويشة من المسبّحة فقد كان يتضور جوعاً ....ثم عاد وكأن شيئا لم يكن ...
ومضى يومين على الحادثة ...وكانت فاتنة تتحاشى النظر إلى عصام ...وتعامله بفتور ...وهو يحاول أن يمزح ويمرح وكأن شيئا لم يكن .....حتى عادت المياه إلى مجاريها ...وهدأت العاصفة بعد أن ارتاحت فاتنة من ذلك اليوم المقيت ....وقد فات ومات .
وفي يوم ....رن جرس الهاتف في بيت عصام ...وردت فاتنة على الاتصال ....وكم كانت فرحتها عظيمة عندما سمعت صوت عمها أخو أبيها يطمئن عليها وعلى زوجها وأولادها ...ثم يدعوها إلى قضاء يوم معه و مع عائلته في مزرعته الفاخرة بيعفور ويخبرها بأن ابن عمها كمال قد جاء من أمريكا إلى دمشق لقضاء إجازته قبل حلول شهر رمضان المبارك وهو يريد أن يرى العائلة كلها ...وطبعا أولهم ابنة عمه وصديقة طفولته فاتنة وعائلتها ....
كم فرحت فاتنة بهذا الخبر وهذه الدعوة بل لم تسع فرحتها الدنيا كلها فهي سترى و تجتمع مع كل عائلتها أولا وبابن عمها الذي كان بمثابة أخ وصديق عزيز رافقها كثيرا قبل أن تتزوج من عصام ....
وكانت تنتظر عودة عصام إلى البيت لتزف له البشرى ....وما أن وصل عصام حتى وجد وجه زوجته يتلألأ فرحا وبشرا سروراً ....وكانت تشع سعادة مما زاد من جمالها كثيرا واستقبلته بالترحيب الحار والابتسامة المشرقة عن غير عادتها وقالت له فورا : احذر من اتصل فينا اليوم ؟
عصام ببرود : خير ....يا طير ...من اتصل ؟
فاتنة : عمي صبحي ....وقد دعانا إلى مزرعته في يعفور يوم الجمعة المقبل ....بل دعى أهلي وكل العائلة ...
عصام : أي ..؟؟؟؟ وليش ...شو المناسبة يعني ؟
فاتنة : بمناسبة زيارة ابن عمي كمال للشام ...!! أتذكره ...؟؟ قد حدثتك عنه كثيرا وهو دكتور سينهي اختصاصه قريبا في أمريكا ...كان مثل أخي وصديقي ؟...كم لعبت معه ...شبك ؟؟ شو نسيتو ؟؟ كتير حكيتلك عنو ؟
عصام ببرود وقد اصفر وجهه كمن انتابه مغص مفاجئ في مصرانه الأعور : لأ ما اتذكرتوا ؟؟ شو يعني بدك اتذكر كلشي حكيتيلي ياه ....اي ...!! وشو جابوا هلق ....وليش دخلك كل هالئد فرحانة ؟؟ ...والله يلي بيشوفك بفكرك طاير عئلك بالسيران وكأني ما بطالعك سيارين ؟؟ وكل يومين باخدك على مطعم شكل ؟؟؟ شبك زء عئلك ؟؟ يعني ما لي فهمان ؟
فاتنة : الله يسامحك يا عصام ...ليش أنا فرحانة بالسيران ؟ ..؟؟؟ منوب ...أنا فرحانة بالجمعة لكل العائلة صرلنا زمان ما اجتمعنا واشتئت للكل هدول أهلي .....ولّا مستكتر علي افرح بأهلي ..؟؟؟ ذكرك شو بيصير فيك لمّا أهلك بيعزموك على اسطوح بيتهم لتشويلهم شقف وكباب ؟؟ ....وبتصير كلك شحار وريحتك زيت كاز ...وقديش بتكون انت سعيد ومشأ ريئ ومنفتح عالحياة وضحكتك لورا آدانك ؟؟؟
عصام : أيوا .....بيفهم من هالشي انك حابة تفتحي باب منائرة يا مدام ؟
فاتنة : أعوذ بالله ...بس أنت هيك كل ما بتشوفني مبسوطة مدري شو بيصرلك ....؟ ...وتبكي فاتنة وتخرج الكلمات غير واضحة من فمها من البكاء ...وكأنها تتكلم السنسكريتية ؟ ...
عصام : خلص ...خلص ...هلق اتمسّي وروحي حطيلي أكل راح موت من جوعي ...ولكل حادث حديث ...
تذهب فاتنة إلى المطبخ حزينة ...وهي تقول في نفسها هيك دايما لازم آخد وأعطي بكل شغلة ...شي بيقصر العمر ياه ..
وبعد العشاء ....وقد امتلأت البطون وارتخت المفاصل ...واسترخى عصام على كنبة غرفة الجلوس ليشاهد أخبار المساء ...وفاتنة أخذت الأولاد إلى غرفتهم ونيمتهم ...وعادت إلى غرفة الجلوس وقد قلبت وجهها ....ومسكت رواية تقرأ فيها كل يوم سطر أو سطرين ...ودون أن تقول شيء ....وعصام كل خمس دقائق ينظر إلى وجه زوجته الحبيبة ...وهو يقول في نفسه والله حرام هالوش الحلو يزعل ....والله حرام ....فهو يحبها جدا ويخاف على زعلها ...ولكنه يشعر بالجكر الشديد عندما يجدها مهتمة بأحد غيره ولو كان أهلها أو عمها ...وهو يعرفهم أنهم من أحسن الناس وحتى ابن عمها ....إنسان خلوق ومرح وظريف جدا وهو يعلم تماما أن كمال و فاتنة كانا صديقان منذ الطفولة بسبب سكن أهلهما مع بعضهما في نفس البناء ...ويعلم تماما أنها تحبه كأخيها ...وأنها تحبه هو كزوج وحبيب ...ولكنه يشعر بالغيظ الشديد لا يدري لماذا ؟؟؟ ....هكذا ....دون مبرر .....وفي نهاية السهرة وقبل أن يتوجه عصام وفاتنة لغرفة النوم أحب عصام أن تعود الفرحة لوجه زوجته الحبيبة ....فقال لها : متى قلت ؟ ....أن عمك دعانا ...في أي يوم ؟ ....فورا انفردت أسارير وجه فاتنة وقالت : يوم الجمعة القادم ؟
عصام : يا الله حضري حالك للروحة ....كمان أنا مشتاق لأهلك مو بس أنت ....
طارت فاتنة من الفرحة ....وعانقت زوجها بحرارة ...وقالت له : بعرف قلبك الطيب وبعرف انك بتحبني وبتحب أهلي ...لك الله يخليلي ياك ولا يحرمني منك ...يا رب
وأقبل يوم الجمعة بعد ترقب وانتظار ولهفة .....وذهبت السيارات نحو فيلا أبو كمال ...وفي كل سيارة عائلة ....واجتمعت هناك العائلة كلها وقد تم تحضير كل شيء من أجل قضاء يوم رائع لعائلة كبيرة محبة لبعضها البعض في أحضان الطبيعة الجميلة ....
فالكل كان سعيدا ....وخاصة بوجود كمال فقد كان شخصية مميزة بالفعل ومرحة جدا ...وأخذ يلقي النكت والطرائف على العائلة ويتحدث عن قصص كثيرة مرّ بها ومواقف مضحكة تجعل من يسمعه يغشى من الضحك وقد استحوذ على المشهد كله لوحده تقريبا ....والكل يضحك ويدعوه بكيمو الظريف ....حتى فاتنة ؟؟؟؟؟؟؟
إلا ......شخص واحد ...كان يضحك مجاملةً ...وقد وجد كيمو الظريف غليظ جدا ...ولم يستسيغه ولا بشكل وأخذ ينظر إلى ساعته كثيرا منتظرا ساعة الفرج والعودة إلى البيت ....فلم يكن سعيدا أبدا وخاصة برؤية زوجته وهي تروح وتغدو وكأنها عصفور يتنقل طائرا من مكان إلى مكان في أنحاء المزرعة وهي محط إعجاب وأنظار الجميع .....وخاصة هذا .....كيمو ...الغليظ ؟؟؟؟؟؟.....هذا بالإضافة أن زوجته أصبحت بمنتهى النعومة والأناقة واللياقة هناك ؟؟؟؟......
وحانت ساعة الغروب ....وساعة العودة أخيرا ...إلى دمشق .....وقد امتلأ قلب عصام بالغضب والحنق على زوجته الجميلة..؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
قصة قصيرة
يوميات زوجية
(3) الحلقة الثالثة
وصل عصام وفاتنة وأولادهما البيت ....وعصام بارم بوزو شبرين ....في بادئ الأمر لم تلحظ فاتنة شيء وقامت بتحميم أولادها بعد يوم كامل من العفرتة في مزرعة عمّها ....ثم عشتهم ونيمتهم وقامت هي بدورها بأخذ دوش بسيط ...ومن ثم عملت إبريق من الشاي اكرك عجم والتحقت بزوجها في غرفة الجلوس وهو يشاهد التلفزيون ....وهي تريد أن تتحدث عن هذا المشوار واليوم الرائع الذي قضوه في المزرعة ....وما أن قدمت لعصام كاسة الشاي ...حتى قالت : ...شو كان نهار ظريف عن جد انبسطنا .....مو ؟
لم يتكلم عصام وبقي قالب وجهه ..والعقدة شبرين ؟...وهو يحاول أن يبدي عدم الاهتمام بكلام فاتنة ...ويركز نظره على شاشة التلفزيون ...؟؟
أردفت فاتنة قائلة : والله سيران ولا كل السيارين ...مو ناقصو شي .....لم تجد على غفلة ...غير عصام قد وضع كاسة الشاي على الطريبزة بقوة وقد صدر صوت عنها وكأنها راح تتحطم ...؟ والتفت نحو فاتنة والغضب يعلو ملامح وجهه ...ويملأ عينيه ...وقال : طبعا ...مشوار ولا كل المشاوير ....مو يا خانم ....وخاصة لأنو موجود فيه ...كيمو ....لك أنت ما بتستحي تناديه كيمو ...؟؟؟طول النهار ...وقدامي .....قدام جوزك ؟؟؟؟ عن جد مات الحيا ....شو شايفتني رجل كرسي قدامك ....ولّا شاطة ريالتي ؟؟
يا عيب الشوم عليك ؟ ..
تفاجأت فاتنة تماما...بكلام عصام الذي كان يقذفه بوجهها كطلقات رصاص حامية جدا ...ومن هول الصدمة تشردقت بالشاي وكادت تختنق ...لولا أن أسعفت نفسها ببعض حسوات من الماء من كأس موجود بالقرب منها ....وأخذت تتنفس ببطء حتى عاد تنفسها طبيعي ....وتمالكت نفسها قليلا ثم قالت : ماذا قلت ؟؟؟.....شو صارلك ..هيك على فجأة خير ..؟؟؟؟ليش طالع خلئك ....أولا مو بس أنا عم نادي ابن عمي كيمو ...الكل كانو عم ينادو هيك ...حتى أنت ؟؟
عصام : أنا رجال ...بناديلو كيف ما بدي ...مو متلك مرا ومتجوزة كمان ...وقاعدة عم ادلعيه إدامي ؟؟؟ ...شو هاد ؟
فاتنة : ليش شو فيها ؟؟؟...ما فهمت ؟
عصام : هلق عم تجدبيها عليّ ولّا شلون ؟؟؟ شو مشا ن مو معبي عينك ؟
فاتنة : أعوذ بالله ...لك شو هالحكي ....والله ما عم أفهم عليك ...؟؟ شو عملت ...وإذا ناديت ابن عمي ورفيء طفولتي باسم الدلع تبعو ...شو المشكلة يعني ؟؟
عصام : يا حبيبي ...شو ئلتي ؟؟....رفيئك ...عن جد ما بتخجلي أنت ...؟؟
فاتنة : لا ...هيك زوتها كتير بقى ...ولو سمحت راجع كلامك ...أنا ما بدي كبّر هالمسألة يلي بلا طعمة وكأنك عم ادور على الخناق من تحت أضافيرك ؟
عصام : أنا عم دور على الخناق من تحت أضافيري ...يالله خلطي السموات بالأبوات لئلك ....حتى ما تبيني انك غلطانة معي كتير ....
فاتنة : لك ب شو غلطت ؟..
عصام : وكمان عم اتئولي لكْ ؟؟؟ شو هالترباية ؟
فاتنة : لهون وبس .....ما بسمحلك تحكي عن تربايتي ولا كلمة .....صرلي ساعة عم اسمع حكي طالع نازل واعمل حالي موسمعانة ؟..
عصام : أنا حكي طالع نازل !! ...يا مؤدبة يا موجبّة؟؟
تقوم فاتنة بسرعة من مكانها وهي تزّور عصام والدموع تملأ عيناها وتركض إلى غرفتها وتلقي بنفسها في السرير وتنطمر تحت اللحاف من أخمص قدمها حتى رأسها فلا يبدو منها شيء ...وأخذت تبكي بشدة و حرقة وسحبت علبة المحارم معها تحت اللحاف ....وبقيت تبكي وتسحب محارم حتى خلصت علبة المحارم ...وتنهنهت فاتنة من البكاء ونامت من التعب والحزن مع طن من المحارم المجعلكة تحت اللحاف .
أما عصام ...فقد بقي في غرفة الجلوس يراجع نفسه وكلامه اللامنطقي ...وشعر بندم كبير ...لهذا الغضب الغير مبرر وليس له أي طعمة ولون ...بل كان سخيفا حقا لا يستدعي أن يكلّم فاتنة هكذا أبدا ولا أن يزعْلّها بهذه الطريقة السخيفة ....مسكينة فاتنة ...وحزن عصام من أجلها كثيرا ...وأخذ يلعن الشيطان في نفسه مرات ومرات ....ويقول لقد كانت ساعة شيطان ...ما أنا فاعل الآن ....؟؟؟ وأخذ يفكر ويفكر ...حتى غلبه النعاس ونام على الكنبة ....بدون غطاء ؟ كالشريد ....في يوم بارد ...
وفي الصباح الباكر ....استيقظت فاتنة وهي تشعر بثقل كبير بأجفانها ...وقامت لتنظر في المرآة ......يا للهول ....يا للكارثة ....فقد وجدت عيناها منتفختان جدا كبالونين صغيرين توضعا على وجهها حتى بات وجهها أقرب لوجه ضفدعة ...وقد شحب لونها ....ووصل السواد تحت عينها لمنتصف خديها ....أما شعرها فحدّث ولا حرج ....فقد كان منفوش نفشة غير طبيعية كله نقط بيضاء مفتولة من المحارم الورقية ...!! وأنفها أحمر مثل المهرج .....لم تعرف ماذا تفعل ...وكيف ستخرج من غرفتها لتغسل وجهها على القليلة ..ليخف ورم عينيها ..وانتفاخهما ....يا ويلي...قالت : لو صادفني أحد الأولاد سيتعئد حتما طوال حياته من هذه الشوفة ...أمهم تحولت إلى دراكولا ...في يوم وليلة ....يا ربي شو اعمل ....وليييي إذا شافني عصام كمان ...!! راح يتمئلس علي ويشوفني أبشع مرا بالكون .....مع انو هو السبب ...أنا بفرجيه ...شو اعمل ياربي ...راح يتأخر الولاد عن المدرسة ....ما في فكة لازم اطلع من الغرفة يلي بدو يصير يصير ...اتأخرت كتير عالولاد ؟... ثم تذكرت فجأة أن اليوم هو يوم السبت ....وهو يوم عطلة أيضا ....فتنفست الصعداء ...وأخذت شهيق وزفير ...ومن ثم قامت تمشط شعرها على الأقل ...وبعد قليل فتحت الباب ...تريد الذهاب إلى الحمام .....فركضت بسرعة وكأنها خائفة من شبح ؟ ....ودخلت الحمام وشكرت ربها أنه لم يرها أحد ...وقامت بغسل وجهها وعيناها وأصلحت من مظهرها قليلا ...وهي تقول في نفسها ...سأَلبس وأُلبس الأولاد وسأذهب لبيت أهلي فورا .....لن أسكت على هذه المهزلة..
وهذا السخف نهائيا ...ليكون مفكر هالعينتين ...مالي حدا بضهري ومقطوعة من شجرة ...وعم يتمئطع فيِّ ... طيب يا عصام ...إذا ما بخليك تندم على هالليلة ولأنك خليتني ابكي لأشبع ..ما بيكون اسمي فاتنة .....انتظر عليّ...
وبدي نادي لأبن عمي كيمو ...وروح اشراب من البحر ...وتخرج فاتنة من الحمام مسرعةً باتجاه غرفتها ....لتدخلها .....وكانت المفاجأة ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
قصة قصيرة
يوميات زوجية
(4) الحلقة الرابعة
دخلت فاتنة غرفة نومها على عجل قبل أن يشاهدها أحد ...وإذ تتفاجأ بعصام يقف أمامها مباشرة وهو يبتسم ابتسامة الطفل البريء وقد حلق ذقنه ( مع أنه بالعادة يوم العطلة لا يحلق ذقنه ) ووضع كريما مثبتا على شعره بعد أن سرحه تسريحة تليق بسهرة أو عرس ؟؟؟ كانت ابتسامته ساحرة بالنسبة لفاتنة ...كم تحب هذه الابتسامة وهذا الوجه الذي يعكس طيبة وصفاء قلبه ...ولكنها تماسكت ولم تضعف أمام سحره مباشرة ...بل تجاهلته تماما واتجهت نحو خزانتها ...لتأخذ ثيابها ...فورا ....فعانقها من الخلف ...وقال لها : صباح الخير يا أميرتي الصغيرة ....قد قسوت عليك البارحة ....وأعتذر منك ...وما كل ذلك إلا لأني أحبك وأخاف وأغار عليك ...فأنت فتاتي وحبي الأول والأخير ...هل لديك شك في ذلك ؟؟؟ .....كادت كلماته أن تذيبها تماما ...وتنسيها فورا ليلة سخيفة مرت بها ....ثم التفتت نحوه لتعاتبه ...فوضع يده على فمها وقال : اليوم سآخذك مشوار ظريف أنت والأولاد فالطقس مشرق وجميل وسنتغدى خارج البيت ...دعي اللوم والعتاب ...جانبا ولا تجعليه يفسد يومنا وحياتنا ....سكتت فاتنة وأطرقت وقلبها يرقص فرحا فهي تحب عصام بكل جوارحها بسلبياته وإيجابياته ....هكذا كما هو .... ثم استدركت قائلة وبلهجة عتاب واستنكار : أتريديني أن أخرج معك وأنا بهذا المنظر وعيني منتفختان من البكاء هكذا ....فقال لها : أليس لديك نظارة شمس
قالت : بلى ؟
قال : فإذاً حُلت المشكلة ...مع أني أرى أن عيناكي جميلتان كيفما كانتا ....بل سأشتري لك نظارة شمس جديدة وماركة من أفضل الماركات الأصلية ( أورجينال بدل من نظارتك القديمة )
قالت بدلال : ولماذا ....أتريد أن تبكيني مرة أخرى ؟
قال : أعوذ بالله ....ولكن لإنني أخاف عليها من أشعة الشمس الضارة ...ولن أعرضهما مرة لأخرى لأي أذى ...
حاولت فاتنة أن تمنع نفسها من الابتسام في وجهه ...إلا أن عصام أجبرها على ذلك عندما قال لها : اضحكي بقى وفضي هالسيرة وخلينا انروح وننبسط وننسى يلي كان ...وبالفعل ابتسمت فاتنة ....ونسيت يلي كان ...فضمها عصام إليه ثم قال هيا بنا نتحضّر ونُحضّر الأولاد للخروج ....وقضت العائلة الصغيرة يوما من أجمل الأيام التي مرت بها ....
كان جيدا أن يبقى هذا الأمر بين عصام وفاتنة ولم يتعدى جدران منزلهما الصغير ...فقد تجاوزا الأمر بمنتهى الحكمة ....فالخلافات الزوجية تحدث كثيرا ...وما بين الزوج والزوجة قد يُنسى بكلمة ...ولكن عندما يتدخل الأهل يصبح الأمر أصعبا ...والأهل لا ينسون ...كما ينسى أصحاب العلاقة .
مرت الحياة جميلة وهادئة وسلسلة بين عصام وفاتنة وعادت إلى وتيرتها العادية ....إلى أن جاء يوم وقد دُعي الزوجين الشابين لحفل زفاف ابن خالة عصام ...والذي سيقام في الشيراتون الذي يعد من الفنادق الفخمة في دمشق ....وقد قررت فاتنة أن تشتري فستانا جديدا لهذه المناسبة التي يجتمع فيها القاصي والداني وخاصة من عائلة زوجها ....والعرس مختلط والمنافسة شديدة بين النساء حتما ....
وفي مساء اليوم الذي يسبق التسوق ...سألت فاتنة عصام إن كان يستطيع مرافقتها إلى السوق لأخذ رأيه بالفستان الذي تنوي شراءه لحضور عرس ابن خالته ....وكان عصام كأغلب الرجال لا يحبون الذهاب إلى الأسواق وخاصة مع زوجاتهم لأنهن يأخذن وقتا طويلا ويترددن كثيرا قبل الشراء ...وهو في غنى عن هذا الوقت الضائع المهدور والممل ...وطلب من زوجته أن تعفيه من هذه المهمة وتذهب لوحدها أو مع من تشاء إلا هو ...وسيكون سعيدا بما يسعدها هي ....
وفي اليوم التالي ...ذهبت فاتنة للتسوق هي وأختها وتركت أولادها عند أهلها ....ولفّت السوق محلا محلا ممن يعرضون ملابس السهرة النسائية الراقية ....وأخيرا وقع اختيارها على فستان جميل ورائع بالفعل ....وهو بلون أحمر قاني أبرز جمالها وفتنتها ....وهي تعلم ضمنيا أنه لن يعجب عصام نهائيا ...لأنه زوج غيور ....وأظهرت لها ذاكرتها موقف عصام وردة فعله بعد اجتماعه بكيمو ..؟؟ صحيح أن الحادثة مرت وانتهت ....ولكنها لم تنساها وخبأتها في زاوية في نفسها وقلبها ...ولم يشتفي قلبها ...فأرادت أن تغيظه في مناسبة لا يستطيع هو أن يلغيها ولا أن يعتذر عنها نهائيا لأن العريس ليس ابن خالته وحسب بل هو صديق عمره أيضا ...ولا يستطيع حتى الذهاب بدونها لأن العرس مختلطا وسيكون ذلك محرجا له جدا ....فقد وضعته في موقف لا يحسد عليه البتة ....وحان الوقت لتنتقم لنفسها ...فكان العقاب من جنس العمل ؟؟ ...وأصلا لا يستطيع أن يقول لها شيئا فقد اعتذر عن الذهاب معها إلى السوق وترك لها حرية الاختيار ....؟؟ ولا وقت ولا مجال للتراجع ؟
وفي اليوم الموعود ...ذهبت فاتنة إلى الحلّاقة أو الكوافيرة لتعمل لها تسريحة تلائم وجهها وفستانها الرائع ....ومن ثم عادت ...قبل أن يعود عصام إلى البيت ...من عمله ...وكانا قد اتفقا أن يعود ويغير ملابسه بعد عمله ويذهبان سوية ليلا إلى العرس المرتقب ... ولم تطلعه فاتنة على الفستان ليكون مفاجأة له ...بنفس يوم العرس ...
عاد عصام يومها على عجل وأخذ دوشا سريعا ليخرج ويلبس بدلته الرسمية التي حضرتها له فاتنة ....وما أن خرج من الحمام ....ودخل غرفته حتى تفاجأة بامرأة غريبة داخل غرفة نومه ... لأول الوهلة .. نئز وارتعب ...ولكن ..ما لبث أن عرف أن هذه المرأة الفاتنة الرائعة التي تقف أمامه إنما هي زوجته فاتنة ....بشحمها ولحمها ...توقف دقيقة صمت ليستوعب الموقف ...ثم أردف قائلا : أهكذا ستذهبين إلى العرس ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
فاتنة : طبعا ...ألا أعجبك ...ألست جميلة بهذا الفستان ؟
ما رأيك ؟؟
شعر عصام أن الدم بدأ يغلي في عروقه ...ولكنه مسك أعصابه ...وتذكر أن الغضب ...سيجعله يعتذر مثل المرة الفائتة ...وأنه سيتنازل لزوجته الجميلة في النهاية ..وليس بعيدا أن يكلفه هذا الشيء مشوار وهدية أيضا ...هو في غنى عن ذلك الآن ....وفكر قليلا ...و شعر أن فاتنة تريد غيظه حتما ردا على تلك الليلة ....فقال في نفسه : لا بأس ...انتظري مني يا فاتنة ....ما لا تتوقعيه ...؟؟
تماسك عصام تماما وقال لفاتنة : مبروك الفستان طالع عليك رائع ...كالعادة شو ما لبست بيطلع حلو عليك القالب غالب ...والتفت ليلبس ثيابه ويهتم بأناقته وخاصة أنه غيّر القميص والكرافة ...الذين اختارتهما له فاتنة ....وحتى العطر ...فبدى بأحلى لوك ...ومظهر ...واستغربت فاتنة ....اعتنائه المبالغ بنفسه ولكنها لم تستطيع أن تعلق ..؟؟؟ فقد كان جميلا جدا .
وذهب الزوجين الشابين لحضور العرس ....الذي كان عرسا مميزا ولا بالأحلام ...ولا أعراس ألف ليلة وليلة ....وحدث هناك ما لم يكن في الحسبان ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
قصة قصيرة
يوميات زوجية
(5) الحلقة الخامسة والأخيرة
دخل عصام وزوجته الشابة فاتنة العرس بكل شموخ وتفاؤل وكان عدد المدعوين كبيرا ...وما أن وصل عصام قرب الطاولة المستديرة الخاصة بأهله ....حتى جاءت صبايا العيلة كلها يسلمون عليه فقد غاب عنهم منذ زواجه ولم يعد يجتمع بالعائلة كثيرا لانشغاله بعمله وعائلته الصغيرة ...وأخذ عصام يلقي التحية على سوسو وفوفو ...ولولو ..؟؟؟؟هذه بنت خالته وهذه بنت عمته وهذه بنت بنت عم خاله ...وهذه جارة بيت أهله وهذه ...وهذه ؟؟ ومنهن صبايا وجميلات ... وأخذن يذكْرّن عصام بالسهرات الجميلة التي كانوا يقضونها معه ....ومع العائلة وكم كانوا سعداء ....نعم إنها ذكريات الشباب التي لا تُنسى ....فكان عصام سعيدا مشرقا يسبح في أمواج النساء التي تلبس ألوان برّاقة رائعة ...فلم تجد فاتنة نفسها إلا على الهامش تجلس مع والد عصام ووالدته وكأنها من عجائز العائلة ....وشعرت بنفسها وكأنها نقطة حمراء مهملة في وسط بحر من الجميلات ....وأخذ ت الغيرة تنهش قلبها وأعصابها تتوتر ...ونظرها يزيغ وهي تتبع خطوات وتنقلات زوجها ...الذي أصبح بقدرة قادر نجم الحفل ....حتى أنها شعرت أنه خطف الأضواء من العريس نفسه ....طبعا لم يكن الواقع كذلك ...وإنما شعورها جعلها هكذا ......وكانت طوال الحفل تكبت غضبها واستياءها وغيرتها حتى لا يشعر بها أحد فيشمت بها وأولهم عصام أفندي ...كازانوفا ....جون ترافولتا ....عصره ؟؟؟ لم تكن سعيدة ومرتاحة نهائيا ...ولم تصدق متى انتهى الحفل ...وقد وصلت إلى مرحلة الغليان ...أو القنبلة الموقوتة التي كادت أن تنفجر بأية لحظة .....وما أن انتهى العرس وعاد عصام وفاتنة إلى بيتهما ...والتي كانت صامتة طوال الطريق ...وهي تأخذ نفساً وتترك نفساً ...وكل نفس يطبخ طبخة ....
وما أن دخلا البيت ...وغرفة نومهما ...أخذ عصام يبدل ثيابه ليلتحق فورا بسريره فقد كان متعبا ناعسا من كثر الكلام والحركة ....والمجاملات ...وما أن استلقى على سريره ومسك الغطاء ليدفن نفسه به ....(ولم يكن منتبها بأن فاتنة واقفة تزوره من أول ما دخلا حتى أصبح في السرير ...وهي تهز بقدمها ....اشعارا ...بأن حربا ما ستقام بين لحظة وأخرى ....) فلم يجد إلا يدا ...سحبت عنه الغطاء بكل قوة ....فرفع راسه فوجد فاتنة تستشيط غضبا وحنقا ووجهها محمر جدا ...وقد كشرت عن أسنانها ....وهي تصرخ بأعلى صوتها : ...وكمان بدك اتنام يا منظوم ؟؟؟
عصام : شوفي ؟؟؟؟؟.....شو صرلك ...ليش هيك صرتي على غفلة ؟؟
فاتنة : والله ؟؟ ...عامل حالك مو حاسس بشي ...ولا عامل شي ؟؟؟؟ ....وأخذت تقلده ...أهلين سوسو زمان والله كيفك اشتئنالك ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟أهلين لولو شو أخبارك ..ما شالله كل ما تكبر تحلى .....؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟مين ...لولو ....إلو زمان هالقمر ما بان ؟؟؟؟؟؟كمّل يا أستاذ ولّا بكفي احرق أعصابي وفور دمي أكتر من هيك مع شخص ما بيئدر مرتو ولا بحترمها ؟؟... شو ؟؟؟؟مو معبية عينك ...ولّا مفكرني مجدوبة .....ولّا على نيّاتي ؟؟؟؟ ولّا أنا مدبرة البيت ومربية الأطفال وبس ......بنظرك ....ممكن أعرف شو وضعي عندك ....هلء بدي أعرف !!
يستغفر عصام ربه ...ويعود ليسحب الغطاء من يدها ليأخذ وضعية النوم ولا كأن شيئاً حدث ...ولا كأن فاتنة عم تصرخ من زميم عئلها ؟...
وتعود فاتنة لتسحب الغطاء بقوة مرة ثانية وهي تقول ...الله لا يخليني إذا بخليك اتنام هلئ ...حضرتك بدك اتنام وتتركني عم اغلي من الغيظ منك ....شو أنت ما بتحس بحدا ...ولا بتحترم حدا ....؟؟؟
عصام : يا بنت الحلال اقصري الشر هلق وبكرا بنتخانق قد ما بدك ...بس هلق والله تعبان مو أدران أخد وأعطي ....
فاتنة : إي طبعا منين بدك تئدر تحكي ....من كتر ما لعيت بالعرس ....نشف لسانك ...ويعلى قلبي ( بسخرية )
عصام : استهدي بالله فاتنة ...صرلك ساعة عم اتنطي ما تحطي وصرعتيني بصوتك ...وأنا مو جايي على بالي اتخانئ هلق ....ممكن تهدي والصباح رباح ....
فاتنة : قوم ...قوم هلق بدك تاخدني لعند أهلي ...ما راح أقعد معك ولا لحظة بعد هلق ....صحيح مو عرفان بنت مين أنا ...وعايش على كيفك بالطول والعرض ....وعلى حل شعرك ...
عصام متعجبا جدا ورفع حواجبه لأقصى مسافة يستطيعها وقال : أنا ماشي على حل شعري ...وعايش بالطول والعرض .....والله يلي بيسمعك بيفكرني واحد نوري من الشارع ...لا ....كتير زودتيها بقى ....وقد بدأ الغضب يزحف نحوه ....إلا أنه تذكر أن الغضب له عواقب وخيمة وهو الرجل والأكبر وعليه أن يحتوي غضبها فهي في حالة غيرة شديدة ولا تدري ماذا تقول ...والحق معها وكاد أن يضحك ولكنه مسك نفسه ....ونهض من السرير ...وذهب إلى المطبخ وأتى بكأس من الماء البارد ....فوجد فاتنة تبكي بحرقة وهي جالسة بكامل أناقتها على طرف السرير فاقترب منها بحنان وجلس على ركبتيه أمامها ...وقرّب كأس الماء من فمها وهو يقول : أرجوكي يا فاتنة اشربي قليلا من الماء واهدأي لنتكلم ....وشربت فاتنة قليلا من الماء ...ثم جلس عصام قرب منها وقال لها : لك يا مجنونة ...شايفة كل هالصبايا والبنات يلي حاكيتهن بالعرس ...هدول كلهن من أهلي وبعرفهم منيح قبل ما شوفك واتجوزك ....لو كانت واحدة منهم عاجبتني ما كنت حبيتك واتجوزتك ما كانوا كلهن قدام عيوني ....بس أنا اخترت واحدة بس من كل هالعالم ...هي يلي حبّها قلبي وبس ...واخترتها تكون زوجتي وحبيبتي وأم ولادي ...يعني معقولة ...إني بعد هالشي ما كون بحبك أو احترمك ...لك أنا أعطيتك اسمي ...يعني احترامك من احترامي ...واتأكدي ما في مرا بالدنية بتئدر تعبي عيني ادامك ...انت الكل بالكل ...وانت أول حب وأخر حب بحياتي ....بدي اتحطي بطيخة صيفي ببطنك ...ما بحب ولا راح حب حدا غيرك ...اطّمني ...لأنو حضرتك استوليتي على قلبي من أول ما شفتك ...احلفلك يمين يعني ؟؟؟ ....لم تجد فاتنة كلام بعد هذا الكلام ...بل صمتت ...وشعرت بالخجل من نفسها ....
عصام : قومي حبيبتي اخزي الشيطان وغيري تيابك واغسلي وشك الحلو وخلينا انام ....والله أعصابنا فرطت مشان شي بلا طعمة .....بس بدي ذكرك ....وقلك شفتي كيف الغيرة أحيانا شو بتساوي بالواحد ....على كلٍ الغيرة من الحب ....بس ما بدنا انخليها ادّمرنا وادّمر عيلتنا الحلوة ....وكلشي زاد عن حدو نقص .....من هون ورايح لازم نحترم مشاعر بعض ....وننتبه لهالناحية ...مو حبي؟ ....وكمان ما انحط بقلبنا ....وهي أهم شي فاتنة ....شو عم ئلك ...ما انحط بئلبنا ...ونمْحي كل سوء تفاهم فورا ...مو نستنى الفرصة لننتقم ؟؟؟ ....وضحكت فاتنة ....وفهمت ماذا يقصد عصام ....فالحب أكبر منه ومنها .
تمت
الخاتمة :
هذا غيض ...من فيض ... وقد ذكرت حادثة أو حادثتين قد تمر في أي حياة زوجية ...وقد تكون عادية جدا ...ووضعتها بقالب طريف قريب من الكوميديا ...ولكن الحياة الزوجية هي حياة كاملة فيها الحلو وفيها المر ...وتعترضها الكثير من المشاكل والاختلافات وما ذكرت قد تكون أهونها أو أخفها ...فهناك اختلافات تنجم عن موارد الأسرة المالية وكيفية إدارتها ...وهناك مشاكل معقدة تنجم عن اختلاف الطباع وردات الفعل لدى الزوجين وهناك اختلافات تنشأ عن طريقة تربية الأولا د وأسلوب معاملتهم ...ومشاكل قد تظهر من خلال العلاقات الإنسانية مع الأهل والجيران والأصدقاء والمعارف ..... فالزوجين ثابتين ...والمتغيرات حولهم كثيرة جدا ...جدا ....فإن كان الطرفين واعين ذكيين ...محبين ...تغلبا على كل ما يعترض حياتهما المشتركة ...فالزواج رباط مقدس ومسؤولية ...فهو أولا قسمة ونصيب بيدي الخالق العلي العظيم ....وثانيا هوالميثاق الغليظ كما أسماه الله .....ولو وضع الزوجين نصب عينيهما بأن لك واحد منهم سلبيات وإيجابيات ويجب تقبل الآخر على هذا الأساس ..وما من أحد كامل إلا الله ....وأن العيش المشترك والطويل ...تظهر كلا الجانبين في كل شخصية ...فطبعا العشرة تخلق جو من العفوية والتلقائية فلا يحسب الزوج أو الزوجة حساب لكل كلمة أو تصرف ...والعفوية قد ...تخلق بعضا من الفوضى ولكن ...فوضى يجب أن تكون محببة ويجب أن يكون البيت مكانا للراحة والأريحية وبدون حواجز أو مطبات ....الزواج يحتاج لخلطة سحرية ...ليحقق الدوام والسعادة والراحة النفسية ....وهذه الخلطة هي مزيج من : الحب _ الرضا _ الاخلاص _ الاحترام _ والتسامح .....
فالحب يمنح قدرة على العطاء الغير محدود من قبل الطرفين
والرضا : الرضا بما قسمه الله هو نصف السعادة فلا يمد إنسان عينه لما لدى الآخرين ...فلكل عائلة خصوصية خاصة جدا ...ولا يمكن أن يكون للزواج قالبا محدد يوضع فيه أي علاقة زوجية ...فلا يوجد قوالب مناسبة لكل زواج وإنما لكل زواج كيان خاص به وحده ...لا ينفع معه تجارب وعلاقات الآخرين ...فمثلا لا يجب على الزوج أو الزوجة أن يفرض على الطرف الآخر طريقة أهله أو صديقه أو أحد من معارفه على حياته هو ...فذلك عين الخطأ وعدم الحكمة ...أقول لكل أسرة نسيجها الخاص وكيانها المستقل تماما عن الآخرين ...ومن يقلد أو يحاول أو يطبق تجربة غيره على نفسه يفشل حتما .
الأخلاص : هذا الإطار الأخلاقي الذي يجب أن يحتوي الزواج في كل مراحله على الإطلاق ....من قبل الزوج والزوجة
الأحترام : أهم عامل لاستمرار أي علاقة داخل الزواج وخارجه
التسامح : راحة للقلب وللزوجين ولكل العائلة
الأسرة والطفل هم أهم أهداف الزواج ....فالناجح في الحياة ناجح في كل شيء ...ومن بنى أسرة ناجحة كأنه بنى عالما من السعادة حوله ....
قد كثر الطلاق في هذه الأيام ...وكل يوم نسمع عن قصة جديدة ...وكلها من الأنانية وحب الذات وعدم الوعي ...وكأن الحياة خلقت لنتنازع فيها على كل شيء ولم نخلق لنعيش مع بعضنا بوئام وألفة وود ...ونتعاون في سبيل التغلب على مصاعب الحياة ....فقد خلق الإنسان في كبد .....أي ليعمل ويكافح ...ليصل إلى هدف الحياة ....لا أن يزيد الأعباء والمتاعب والمشاكل عليه ...فقد كلّفه الله باليسير ...وهو يأبى إلا أن يزيد حمله وتعبه ؟؟؟ لماذا ....ولوكان يفهم الحياة ....لعرف كيف يعيشها بهناء .
وأخيرا أتمنى للجميع عيشة سوية ....وحياة هنية ....وراحة بال ....فهنيئا لمن يعلم ويعرف كيف يعيش .
النهاية
يسرى
أزال المؤلف هذا التعليق.
ردحذفتحميل سكس
ردحذفتحميل افلام سكس
تحميل افلام
سكس